كسر التوافق حول إسرائيل.. "الإبادة الجماعية" تُشعل الخلافات داخل اليمين الأمريكي
بعد تغيير موقف مارجوري غرين
في تحول مفاجئ داخل الخطاب السياسي الأمريكي، وصفت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين الوضع الإنساني في قطاع غزة بـ"الإبادة الجماعية"، لتصبح أول عضو في الحزب الجمهوري يُطلق هذا التوصيف على الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر.
وتعكس هذه التصريحات، غير المألوفة في أوساط حزبٍ اشتهر بولائه المطلق لإسرائيل، تصدعات أعمق تتشكل داخل اليمين الأمريكي، وتعيد طرح سؤال حساس: هل بدأ دعم الحزب الجمهوري لإسرائيل في التآكل؟
وفي منشور نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت غرين: "من أصدق وأسهل ما يمكن قوله إن ما حدث في 7 أكتوبر في إسرائيل كان مروعًا، ويجب إعادة جميع الرهائن، ولكن الإبادة الجماعية، والأزمة الإنسانية، والمجاعة التي تحدث في غزة كذلك".
هذا التصريح لم يأتِ من ناشطة يسارية، بل من شخصية بارزة في تيار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA)، التي تُعد من أكثر الأصوات صخبًا في دعم سياسات الرئيس دونالد ترامب.
غرين لم تكتفِ بوصف الحرب بـ"الإبادة الجماعية"، بل هاجمت علنًا زميلها الجمهوري راندي فاين، الذي دعا إلى تجويع غزة حتى إطلاق الرهائن، وكتبت: "دعوة نائب أمريكي يهودي إلى استمرار تجويع الأبرياء والأطفال أمر مشين".
ترامب يعترف بالمجاعة
وفي خطوة غير معتادة، خالف ترامب حليفه التاريخي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي زعم أنه “لا توجد مجاعة في غزة” خلال لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني، قال ترامب إنه "بناءً على ما شاهدته على التلفاز، هؤلاء الأطفال يبدون جائعين جدًا"، معترفًا للمرة الأولى بـ"مجاعة حقيقية" في القطاع المحاصر.
هذه التصريحات أحدثت ضجة في الأوساط اليمينية، ولا سيما أن ترامب لم يكن معروفًا بتعاطفه مع المدنيين في غزة، بل تبنى خلال رئاسته سياسات داعمة بالكامل لإسرائيل.
ولا يمكن فصل الجدل الذي أثارته غرين عن مزاج أكثر تعقيدًا داخل التيار اليميني الأمريكي، كما تكشف تقارير وتحليلات نشرتها "الغارديان" و"نيويورك تايمز"، ففي الوقت الذي لا يزال فيه القادة الجمهوريون التقليديون –مثل السيناتور ليندسي غراهام وتوم تيليس– متمسكين بدعمهم لإسرائيل وينفون أي "إبادة جماعية"، بدأت شخصيات إعلامية محافظة ومؤثرة تعبر عن قلقها من تجاوزات إسرائيل.
قال المعلق مايكل نولز، المعروف بمواقفه اليمينية وكاثوليكيته، في برنامجه مؤخرًا: "لقد كنت مؤيدًا واسع النطاق لدولة إسرائيل، وأنتم تخسرونني"، وأضاف: "إلى متى ستستمر هذه الحرب؟" تصريحات نولز جاءت بعد هجوم إسرائيلي على كنيسة كاثوليكية في غزة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة كاهن.
الشباب أقل دعمًا لإسرائيل
تشير البيانات إلى اتساع الفجوة بين أجيال اليمين الأمريكي فيما يخص إسرائيل، فوفق استطلاع أجرته جامعة نورث كارولينا عام 2021، تراجعت نسبة تأييد الإنجيليين الشباب لإسرائيل من 69% في عام 2018 إلى 33.6% فقط.
وتوضح الغارديان أن هذا الانخفاض يعود إلى "إعادة تعريف لمعنى أن تكون مسيحيًا في الفضاء العام"، وفق ما قاله تود ديثيراج، أحد أبرز المحللين في الشأن الإنجيلي.
وفي السياق ذاته، صرح ماثيو بروكس، رئيس الائتلاف اليهودي الجمهوري بأن "ما نراه بين الشباب اليميني هو نظرة غير مستنيرة للأمور"، محذرًا من "تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المغلوطة".
ربما كانت اللحظة الأكثر إثارة للدهشة هي التحالف السياسي غير المتوقع بين النائبة الجمهورية غرين والديمقراطية رشيدة طليب، أول عضوة من أصول فلسطينية في الكونغرس، فقد صوتت غرين مع طليب في محاولة لسحب تمويل عسكري بقيمة 500 مليون دولار من الدعم الأمريكي لإسرائيل، وهي الخطوة التي لم يوافق عليها سوى ستة أعضاء في الكونغرس.
من المهم أن نتذكر أن غرين نفسها كانت قبل عامين قد قادت محاولة لتوبيخ طليب، متهمة إياها بـ"معاداة السامية" و"التعاطف مع الإرهابيين"، هذا التغير يعكس حجم التحول الذي يعتمل في بعض دوائر اليمين الأمريكي.
مهاجمة كنائس غزة
زادت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على كنائس في غزة والضفة الغربية من تأجيج الغضب داخل القواعد الإنجيلية المحافظة، التي طالما دعمت إسرائيل لأسباب لاهوتية.
وبعد قصف الكنيسة الكاثوليكية في غزة، أعرب السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هكابي –المعروف بصهيونيته الإنجيلية– عن صدمته، ووصف الهجوم بأنه "عمل إرهابي".
هكابي، الذي صرح في السابق أنه "لا يوجد شيء اسمه فلسطيني"، خرج هذه المرة بدعوة إلى "تحقيق جاد" في مقتل فلسطيني أمريكي على يد مستوطنين، هذه المواقف تمثل منعطفًا داخل بيئة كانت تُعرف بتماسكها المطلق خلف إسرائيل.
إلى أين يتجه اليمين الأمريكي؟
رغم أن الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل لا يزالون يمسكون بزمام الحزب، إلا أن التشكيك المتزايد في الدعم غير المشروط لإسرائيل بات حقيقةً لا يمكن إنكارها، تيار "المقيّدين" داخل اليمين، الذي يضع مصلحة أمريكا أولًا ولو على حساب حلفائها يكتسب مزيدًا من الشرعية.
وتروج الشخصيات البارزة في هذا التيار مثل إلبريدج كولبي، وجي دي فانس، لفكرة أن التحالف الأمريكي مع إسرائيل يجب أن يُعاد النظر فيه، بناءً على المصالح لا القناعات اللاهوتية.
وما يثير الانتباه في هذا التحول ليس فقط بعده السياسي، بل إنسانيته الغائبة منذ بداية الحرب، فأن تصف نائبة جمهورية من معسكر ترامب ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية" يعني أن شدة الكارثة تجاوزت الحسابات الأيديولوجية.